أما قبل :
فرحم الله المهندس زياد بن حمود؛ فقد ترك عطاء ثريا ما زاده تعاقب السنوات إلا اتقادا وتوهجا.
وكدأب المحبين الكرام الذين تسير الركبان بذكر وفائهم لأصفيائهم الراحلين، آثر الشيخ غرم الله بن رداد أن يمنح صفيه الراحل بقاء سامقا يليق به. فكانت المحصلة جائزة سنوية متميزة تحمل اسم الراحل وتحتفي بالعطاء العلمي الرصين والموثوق.
والشكر أجزله للمبادرين الرائعين الذين يعملون دونما كلل لتحقق الجائزة أهدافها المرجوة منها بعون الله وتوفيقه.
أما بعد :
في كل ثانية تتسارع عجلة التقدم المعرفي حتى أن المناهج كمتكأ لإعداد طالب اليوم ناتج الغد شهدت تطويرا في الأدوات وأساليب التقديم والبناء لأجل اللحاق بمتطلبات عصر المعرفة إيمانا بأن النشء هم عدة الأمم وأدواتها في ريادة العالم وأيقونة التقدم والتطور لمزيد من الحضارة الإنسانية وتحقيق التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي الأمثل .
لذلك تعمد المؤسسات التعليمية على تحديث مناهجها بصورة دورية لتهيىء طالبا يتسم بالقدرة على التعامل مع متطلبات المعرفة وإنتاجها واستثمارها ليكتشف ذاته ويكتسب مهاراته وينمي قدراته
وهنا تحضرني مقولة لأحد التربويين يقول فيها ” لا نريد جيلا يعرف ..!! ولكننا نريد جيلا يعرف كيف يعرف …!!” نعم هذا مانريده حقا، فالمعرفة اليوم باتت في متناول الجميع وبمختلف الأساليب لكن الأهم هو كيف نتعامل مع تلك المعرفة وكيف يمكن للطالب أن يعرف كيف يعرف ، وكيف يتعلم؛ بل كيف يكتسب المهارات اللازمة ليكون مستعدا للغد لا سيما ونحن نشهد عصر المهارات في قرن يشهد تغيرات متسارعة يجد المرء نفسه مضطراً أن يكون متعدد المواهب والميول والاهتمامات ؛ ذاك أن هذا القرن يحمل في طياته تنوعاً في كل شيء ، ولكي يستطيع الفرد المواكبة والمواءمة لمعطياته لا بد من البحث والتمحيص الدقيق لجملة من القضايا ذات الاهتمام والتي من شأنها أن تزود الفرد بالطاقة والوقود المحرك للعمل والانطلاق نحو مستقبل مشرق وضاء .
لا شك وقبل كل شيء بأن فئة الشباب وهم على أعتاب المرحلة الجامعية تعد فئةً متميزةً في أي مجتمع ، بل هم أكثر فئات المجتمع حركة ونشاطاً ومصدراً من مصادر التغيير الاجتماعي ، إذ من المفترض أن تتصف هذه الفئة بالإنتاجية والفعالية والعطاء والإبداع بعد التخصص والتأهيل والإعداد للنهوض بمسؤولياتهم في بناء المجتمع .
ومن ثم وفي ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها القرن الحادي والعشرين والمتطلبات التي يحتاجها هذا التغيير للمضي فيه يجد الطالب الجامعي نفسه أمام تحدٍ كبير لمواكبة التغييرات والبحث عن التخصص الذي يلبي الطموح وما سبل الولوج إلى هذا العصر المتغير وكيف نمتلك مقومات الإعداد والتأهيل لإثبات الذات وبناء المستقبل في عصر يموج بالجديد والحديث ولا مكان فيه لمتردد وقلق وحائر .
يعتقد الكثيرون أن المستقبل الوظيفي لهم يرتبط ارتباطاً وثيقاً باتخاذ القرار المناسب عند اختيار التخصص الملائم لهم، وهذا المستقبل المشرق يتطلب توقعات مستقبلية لما يفترض أن تمتلكه من مهارات كي تتمكن من التكيف مع الطبيعة المعقدة وسريعة التغير للقرن الحادي والعشرين وهذه المهارات هي :
- مهارة المسؤولية والتوافق :
وتشير إلى مقدرة الطالب على اكتساب المرونة عند اختيار التخصص الذي يناسب ميوله واهتماماته، وتحمل مسؤولية الاختيار الدقيق، والمقدرة على تحديد الأهداف الشخصية التي يريدها ،والتكيف معها ،ومع أهداف الآخرين ، وأهداف المجتمع الذي يعيش فيه، وتحمل الغموض الناتج عن ذلك حالة وجوده .
- مهارات الإبداع والفضول الفكري :
ويشير إلى مقدرة الفرد على تطوير أبدال حول التخصصات المطلوبة لسوق العمل وربط الأفكار الجديدة في الموضوع بأفكار أخرى وكذلك ربط التخصصات بعضها مع بعض، والبقاء منفتح العقل ومستجيبًا لوجهات النظر حيال ما تمتلكه من مواهب وقدرات بالتخصصات المطلوبة ، والعمل على تكوين علاقات وروابط منطقية بين ما تمتلكه وما هو مرغوب لإنتاج أفكار أو حلول تتسم بالتميز عن الآخرين.
- مهارات التواصل :
وتشير إلى مقدرة الفرد على التواصل الفعال مع ذاته ومع الآخرين من أصحاب الخبرة والتجربة والاختصاص بكافة أنماط التواصل الممكنة اللفظية وغير اللفظية ؛ لمعرفة ما يحتاجه الوطن بل وما يحقق رغبات الفرد مع استخدام كافة الوسائل والتقنيات الحديث لتحقيق التواصل المتميز والوصول إلى المطلوب .
- مهارة التفكير النقدي وفكر النظم :
ويشير إلى مقدرة الفرد على تقدير ما هو بحاجة إليه ويرغب به ، من خلال ما يمتلكه من قدرات ، ومن ثم الوصول إلى القرار السليم والمناسب حول التخصص الذي يحقق الطموح ويلج به إلى المستقبل في ضوء تقييم المعلومات وفحص الآراء المتاحة والأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر المختلفة .
- مهارات ثقافة المعلومات والإعلام :
وتشير إلى مقدرة الفرد على الوصول للمعلومات المختلفة حول التخصص من كافة المصادر الموثوقة التي تتيحها التقنيات المختلفة، ويرتبط بذلك قدرة الفرد على الاستخدام الأمثل للمعلومات في عصر الاقتصاد المعرفي .
- المهارات الاجتماعية والتعاونية :
وتشير إلى مقدرة الفرد التحلي بروح العمل الجماعي والقيادة؛ والتكيف مع الأدوار والمسئوليات المختلفة؛ والعمل بنجاح مع الآخرين؛ والتدريب على التعاطف؛ واحترام وجهات النظر المختلفة والتكيف مع الأدوار والمسؤوليات .
- تحديد المشكلة وصياغة الحل:
وتشير إلى مقدرة الفرد على التحديد الدقيق للمشكلات التي قد يواجهها في اختيار التخصص، الذي يناسب قدراته ، وتحديد بدائل الحل الممكنة، وتجريبها وانتقاء الأنسب منها، وتحديد الحلول المتميزة المناسبة.
- التوجيه الذاتي :
وتشير إلى مقدرة الفرد على تقييم مدى فهمه لما يمتلكه من قدرات وميول واهتمامات ، وتحديد المصادر والوسائل والأساليب التي يحتاجها، وتوظيف الطريقة والأسلوب بما يتناسب والأهداف التي يطمح لتحقيقها .
- المسؤولية الاجتماعية :
وتشير إلى مقدرة الفرد على تحمل مسؤولية اختياره للتخصص الذي يمكن أن يفيد فيه مجتمعه ووطنه مع وضع اهتمامات المجتمع الأكبر في الاعتبار ؛ وإظهار سلوك أخلاقي عند اختياره للتخصص المناسب على المستوى الشخصي والبيئة الاجتماعية .
في ظل هذه المهارات التسع وما تتضمنها من قيم جوهرية نعتقد اعتقاداً جازماً، بأن الطالب الجامعي إذا ما أدرك مراميها ومضامينها وعمل جاهداً على امتلاكها وتعزيز ثقافتها في وجدانه فإنه في مأمن من الاجتهادات الخاطئة ، التي قد تودي بمستقبله إلى حيث لا يتمنى ، وهي بحد ذاتها تعتبر البوصلة الحقيقية لتوجيه المسار نحو مستقبل وظيفي مشرق في ظل قرن متجدد لا يعرف الركون ولا الاستكانة وبالتالي مدى صحة وملائمة القرار نحو التخصص الذي يلبي الطموح ويبعث الأمل في النفوس سعياً نحو البناء والنماء لمجتمع واعد. وأن يكون مستعدا للمستقبل الذي ينطوي على مجالات توظيف حديثة ومعاصرة مثل :
- الربوتات
- تحيل البيانات
- الذكاء الاصطناعي
- الأمن السبراني
- البلوكتشين
- طائرات الدرون
- الفضاء
- انترنت الأشياء
- الطب الجينومي
- الصحة الشخصية
- النقل الذكي
- أنظمة الاستشعار
- هندسة الغذاء
- الطباعة ثلاثية الأبعاد
- العملات الرقمية المشفرة
- توليد الطافة عن طريق الاندماج النووي
- الحوسبة الكمومية
- تحليل النظم
- التعدين الفضائي
- تقنية النانو
وختاما يجب أن يدرك طلابنا أن بوصلة المستقبل تكمن في اكتسابهم لمهارات الغد ليكونوا مستعدين لقيادة المستقبل بعزيمة واقتدار.
د. أحمد بن عوضه الزهراني